دليل شامل لفهم التهاب الصِّفاق المُعدي السنوري (FIP) وطرق التعامل معه
يُعَدّ التهاب الصِّفاق المُعدي السنوري (Feline Infectious Peritonitis – FIP) أحد أكثر الأمراض الفيروسية تعقيدًا وخطورة لدى القطط. وعلى الرغم من ندرة حدوثه مقارنةً بفيروسات أخرى، إلا أن تشخيصه لطالما مثّل كابوسًا لكل من الأطباء البيطريين ومُربّي القطط. في هذا المقال، نُقدّم لك شرحًا مُفصَّلًا للأسباب، الأعراض، التشخيص، أحدث خيارات العلاج، وأساليب الوقاية، بحيث تمتلك صورة واضحة تساعدك في حماية قطتك أو التدخل مبكرًا لإنقاذ حياتها.
ما هو التهاب الصِّفاق المُعدي السنوري؟
يَنشأ المرض عندما يتعرَّض الجهاز المناعي للقط إلى طفرة في فيروس كورونا السنوري (Feline Coronavirus – FCoV). في صورته العادية، يعيش الفيروس في أمعاء القط مُسبِّبًا اضطرابات خفيفة أو دون أعراض مطلقًا. لكن في نسبة صغيرة (تُقدَّر بـ5–10% من القطط المصابة)، يتحوَّر الفيروس داخل الجسم ليُصبح قادرًا على غزو خلايا الدم البيضاء والانتشار عبر مجرى الدم، مُسبِّبًا FIP.
نوعا المرض: الشكل الرَّطِب (الانصبابي) والشكل الجاف (غير الانصبابي)
- الشكل الرَّطِب (Effusive): يتميَّز بتراكم السوائل في تجويف البطن أو الصدر، ما يُؤدي إلى انتفاخ البطن أو صعوبة التنفس.
- الشكل الجاف (Non-Effusive): لا يصحبه تراكم سوائل، بل يُهاجم أعضاءً متعدّدة مثل الكبد، الكلى، العينين، والدماغ، مُسبِّبًا أعراضًا عصبية أو عينية.
أعراض التهاب الصِّفاق المُعدي السنوري
تختلف الأعراض باختلاف نوع FIP ومرحلة تطوّره، لكنها غالبًا تبدأ بعلامات عامّة ثم تتطور إلى أعراض نوعية:
أعراض عامة مبكرة
- حمّى متكررة لا تستجيب للمضادات الحيوية
- فقدان الشهية وخمول
- فقدان وزن تدريجي أو توقّف النمو لدى القطط الصغيرة
أعراض الشكل الرَّطِب
- انتفاخ ملحوظ في البطن نتيجة تراكم السوائل
- صعوبة أو سرعة في التنفس إذا تراكمت السوائل في الصدر
- شحوب اللثة أو صفار العينين في الحالات المتقدمة
أعراض الشكل الجاف
- التهاب قزحية العين أو تغيّر لونها
- ترنّح أو نوبات عصبية نتيجة التهاب الدماغ
- عُقَد لِمفاوية مُتضخِّمة أو اصفرار جلد
كلما ظهر عرضان أو أكثر من القائمة السابقة، خاصة مع الحمى المستمرة، ينبغي التواصل فورًا مع الطبيب البيطري.
كيف يحدث الانتقال؟
على عكس الاعتقاد السائد، FIP نفسه غير مُعدٍ. القابل للانتقال هو فيروس كورونا السنوري قبل تحوّره، وينتشر عبر البراز أو اللعاب. التحوّر يحدث داخل جسم القط المصاب، لذا لا تنتقل السلالة المُتحوّرة عادةً إلى القطط الأخرى.
تشخيص FIP
لا يوجد اختبار بسيط وحاسم، لذلك يعتمد الأطباء على مجموعة من الفحوصات:
- تحاليل الدم الشاملة: قد تُظهر فقر دم، ارتفاع البروتين الكُلّي، أو خلل في إنزيمات الكبد.
- تحليل السائل الانصبابي: في الشكل الرطب، يكون أصفر لزجًا وغنيًّا بالبروتين.
- اختبارات PCR للكشف عن الفيروس: تُستخدم على مصل الدم أو السوائل، مع الأخذ في الاعتبار أن النتيجة السلبية لا تستبعد المرض كليًّا.
- الخزعات النسيجية: خاصة في الشكل الجاف، لتأكيد وجود الفيروس داخل الخلايا المناعية.
خيار العلاج الأحدث: GS-441524 ومضادات فيروسات أخرى
حتى عقد قريب، كان FIP يُعتبر حكمًا بالإعدام. لكن منذ 2019، أظهرت دراسة بجامعة كاليفورنيا تطوُّر مركّب مضاد للفيروسات يُعرف باسم GS-441524، وهو مشتق من العقار البشري “ريمديسيفير”. أظهرت التجارب معدّل شفاء تجاوز 80% عند استخدامه مبكرًا.
ومع ذلك، لا يزال الدواء غير مُعتمد رسميًّا من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، ما يجعل الحصول عليه صعبًا ومكلفًا في بعض البلدان، ويضطر أصحاب القطط إلى اللجوء لمصادر غير رسمية. لذلك يجب:
- الحصول على الدواء فقط عبر طبيب بيطري موثوق.
- اتباع بروتوكول الجرعات المُوصى، والذي يمتد عادةً من 12 إلى 16 أسبوعًا.
- إجراء فحوصات دورية للتأكّد من وظائف الكبد والكلى.
الرعاية الداعمة
- السوائل الوريدية لتعويض الجفاف
- مُضادات التهاب لتخفيف الألم والحمّى
- مُكملات غذائية عالية البروتين لتحسين المناعة
التعافي وإدارة الحالة
تزداد فرصة الشفاء كلما بدأ العلاج مبكرًا. بعد انتهاء برنامج GS-441524 يُجرى اختبار دم لمتابعة البروتين وكرات الدم الحمراء. إذا عادت القيم لطبيعتها وبقيت مستقرة لثمانية أسابيع على الأقل، تُعتبر القطة في مرحلة تعافٍ تام، لكن يُنصح بالمتابعة كل 3–6 أشهر.
كيفية الوقاية وتقليل المخاطر
- تنظيف صناديق الفضلات يوميًّا لمنع تراكم الفيروس في البيئة.
- تجنُّب الاكتظاظ في المنازل متعددة القطط (لا يزيد عن 3–4 قطط في المساحة المتوسطة).
- عزل القطط الجديدة 14 يومًا مع اختبار PCR قبل دمجها.
- تعقيم أواني الطعام والماء بانتظام.
- التغذية الجيدة والحدّ من التوتر، لأن ضعف المناعة يُسهّل تحور الفيروس.
FIP لدى القطط الصغيرة
القطط أقل من عامين هي الأكثر عرضة لأن جهازها المناعي غير مكتمل. تزداد الخطورة في الملاجئ والمزارع أو الأماكن التي تعاني من اكتظاظ وإجهاد. لذلك يُوصى بفحص دوري للقطط الصغيرة، والنظر في استراتيجيات إدارة بيئية صارمة.
أسئلة شائعة
هل يوجد لقاح فعّال ضد FIP؟
تتوفر بعض اللقاحات في أسواق محدودة، لكنها ذات فاعلية محدودة وتُعطى داخل الأنف، ولا تُستخدم عادةً في القطط الصغيرة. بالتالي تظلّ الوقاية البيئية أهم سلاح.
هل يمكن أن تُصاب القطط المنزلية فقط؟
جميع السلالات والأعمار مُعرّضة، لكن القطط ذات الدماء المختلطة والسلالات الشرقية أظهرت نسبة أعلى قليلًا في بعض الدراسات.
هل ينتقل الفيروس إلى البشر أو الكلاب؟
لا، فيروس كورونا السنوري خاص بالقطط ولا يُشكّل خطورة على البشر أو الحيوانات الأخرى.
في النهاية، يمنحنا التقدُّم الطبي بارقة أمل حقيقية في علاج FIP. ابقَ يقظًا، ووفِّر لقطتك بيئة صحية، ولا تتردد في استشارة الطبيب البيطري عند أول إشارة مقلقة. التدخل المبكر قد يُحدث الفارق بين الحياة والموت.