هل تستطيع الكلاب التعاطف مع مشاعر الكلاب الأخرى؟
قد يجلس كلبك إلى جانبك عندما تلاحظ أنه يشعر بتوتّر، وقد تضع الكلبة الأم مخالبها برفق على جسد جروٍ يبكي. هذه المشاهد تبدو مألوفة لكل مُحبٍّ للكلاب، لكنها تطرح سؤالًا جوهريًا: هل تستطيع الكلاب بالفعل التعاطف مع مشاعر الكلاب الأخرى، أم أن ما نراه مجرد استجابة تلقائية للمؤثرات من حولها؟ في هذا المقال سنستعرض أحدث ما توصَّل إليه العلم حول تعاطف الكلاب، وكيف يمكنك مساعدة كلبك على تطوير حسِّه الاجتماعي.
ما هو التعاطف؟
التعاطف هو القدرة على إدراك وفهم مشاعر الآخرين والاستجابة لها بطريقة تتناسب مع حالتهم العاطفية. في علم السلوك الحيواني يُفرَّق عادة بين ثلاثة مستويات:
- عدوى الانفعال (Emotional Contagion): انتقال الشعور من فرد إلى آخر بسرعة، مثل التثاؤب المتبادَل.
- التعاطف التشاركي (Sympathetic Concern): إدراك المشاعر السلبية ومحاولة التخفيف منها، كالوصول إلى كلب يبكي ومحاولة لعقه لتهدئته.
- التعاطف الإدراكي (Cognitive Empathy): القدرة على فهم سبب شعور الآخر بمشاعر معينة، وهي أعلى درجات التعاطف وتحتاج إلى عمليات معرفية معقّدة.
كيف تتواصل الكلاب وتعبر عن مشاعرها؟
١. اللغة الجسدية
- وضعية الأذنين والذيل توفّر معلومات غنية حول الحالة المزاجية.
- الاتصال البصري قد يكون تهديدًا أو طلبًا للتقارب حسب السياق.
- تصلُّب الجسد أو ارتخاؤه يدل على خوف أو راحة.
٢. الأصوات والروائح
النباح، العواء، الأنين، وحتى ترددات منخفضة لا تسمعها الأذن البشرية، كلها إشارات صوتية تُستَخدم لنقل المشاعر. أما في عالم الروائح، فيُعتقَد أن الفيرومونات تساعد الكلاب على تمييز مستوى التوتّر أو الاسترخاء لدى بعضها البعض.
ماذا تقول الدراسات العلمية؟
وجدت دراسة بجامعة يينا في النمسا أن الكلاب تتثاءب بشكل متزامن أكثر مع الكلاب المألوفة لها مقارنةً بالغرباء، وهو دليل على وجود عدوى انفعال. وفي دراسة أخرى بجامعة أونتاريو، تم تشغيل تسجيل لأصوات كلاب تبكي، فظهرت على الكلاب المستمعة علامات توتّر واضحة مثل لعق الشفاه، والتثاؤب، ورفع الحاجبين.
رغم أن العدوى الانفعالية مثبتة جيدًا، لا يزال العلماء يختلفون حول ما إذا كانت الكلاب تصل فعلًا إلى مرحلة التعاطف الإدراكي أم لا.
من ناحية أخرى، تُشير أبحاث المرآة العصبية (Mirror Neurons) لدى الكلاب إلى وجود دوائر عصبية مشابهة لتلك التي تساعد البشر على فهم نوايا الآخرين، ما يدعم فكرة أن الكلاب قادرة على نوع من «المحاكاة الداخلية» لمشاعر غيرها.
عوامل تؤثر في قدرة الكلاب على التعاطف
- العلاقة الاجتماعية: الكلاب تميل للتعاطف أكثر مع أفراد تعرفهم أو شاركتهم تجارب سابقة.
- السلالة والتربية: سلالات العمل والرعي مثل «الراعي الألماني» طُوِّرت لتكون يقظة لحركات الآخرين، ما قد يعزز التعاطف.
- التنشئة المبكرة: الجراء التي تختلط اجتماعيًا في الأسابيع 3–16 تُظهر ذكاءً عاطفيًا أعلى لاحقًا.
- الخبرات الشخصية: كلب عانى من الإهمال قد يفتقر إلى الثقة الكافية للسعي إلى طمأنة كلب آخر.
كيف يمكن لمربي الكلاب تعزيز التعاطف بين كلابهم؟
- أفسح المجال لتفاعل إيجابي خاضع للرقابة بين الكلاب، خاصة في فترات التنشئة المبكرة.
- استخدم التعزيز الإيجابي عندما يتصرف كلبك بلطف تجاه كلب آخر.
- تجنَّب العقاب الجسدي أو الصراخ؛ فمشاعر القلق التي تخلقها قد تُضعِف قدرته على قراءة مشاعر الآخرين.
- راقب لغة الجسد: إذا شعر أحد الكلاب بالتوتر، امنحه مساحة ووقتًا للابتعاد.
- وفّر ألعابًا تشجّع اللعب التعاوني مثل ألعاب السحب الثنائية.
خاتمة
رغم أن العلم لم يحسم بعد ما إذا كانت الكلاب تمتلك كل مستويات التعاطف البشري، فإن الأدلة المتزايدة تشير بوضوح إلى قدرتها على التقاط مشاعر الكلاب الأخرى والاستجابة لها. وكلما دعمنا بيئة إيجابية آمنة لِكلابنا، ازدادت فرص تطوّر مهاراتها الاجتماعية والعاطفية. لذا، في المرة القادمة التي ترى فيها كلبًا يضع رأسه على كتف كلب آخر، تذكّر أن ما يحدث قد يكون أكثر من مجرد تصرف عفوي — قد يكون تواصلًا عاطفيًا حقيقيًا.