هل تحقد القطط فعلاً؟ فهم ذاكرة القطط وكيفية بناء الثقة معها
يصف بعض مُربّي القطط حيواناتهم الأليفة بأنها «تتحيّن الفرصة للانتقام» أو «تتذكّر الأخطاء إلى الأبد». لكن هل تمتلك القطط فعلاً القدرة العاطفية والمعرفية على «الحقد» كما نتخيله نحن البشر؟ في هذا المقال نستعرض ما تقوله الدراسات حول ذاكرة القطط، ونوضّح الفرق بين التذكّر القائم على البقاء وغريزة الانتقام، ثم نقدّم نصائح عملية للاعتذار إلى قطك وإعادة بناء الثقة معه.
الذاكرة عند القطط: ما الذي يقوله العلم؟
تمتلك القطط جهازاً عصبياً معقّداً يوفّر لها نوعين أساسيّين من الذاكرة يشبهان ما نعرفه لدى البشر:
الذاكرة قصيرة المدى (Short-Term Memory)
تُعرَف أيضاً بالذاكرة العاملة. تُخزّن القطط المعلومات فيها لثوانٍ أو دقائق قليلة لتساعدها على إنجاز مهمة فورية، مثل تذكُّر مكان فريسة صغيرة أثناء المطاردة أو تذكُّر موقع طبق الطعام. تشير بعض الدراسات إلى أن القطط قد تحتفظ بالمعلومة في ذاكرتها القصيرة لمدة تصل إلى 16 ساعة في ظروف معيّنة، وهو زمن أطول بكثير مما لوحظ لدى الكلاب، لكن هذه الذاكرة تتلاشى سريعاً إذا لم تُحفَّز بالتكرار أو العاطفة القوية.
الذاكرة طويلة المدى (Long-Term Memory)
تتشكّل عبر تكرار التجربة أو ارتباطها بمشاعر قوية (كالخوف أو السعادة). ذكريات هذه الفئة يمكن أن تستمر شهوراً أو سنوات، وتشمل مهارات البقاء مثل معرفة موقع صندوق الرمل، أو أسماء بعض الأفراد، أو تجربة زيارة الطبيب البيطري.
عوامل تقوي تخزين الذكريات طويلة المدى
- التكرار: كلما تكررت التجربة، زاد احتمال ترسيخها.
- الشحنة العاطفية: الأحداث المصحوبة بالخوف أو المتعة تُخزَّن بعمق أكبر.
- الدافع للبقاء: أي تجربة تُهدِّد سلامة القطة أو تؤمّن لها موارد حيوية ستتحول إلى ذكرى طويلة.
هل «الحقد» فكرة بشرية أم حقيقة قططية؟
يستخدم البشر كلمة «حقد» لوصف شعور مركّب يخلط بين الغضب والرغبة في الانتقام، وهو يتطلب قدرة على التفكير المجرد والتخطيط المتعمَّد. لا يوجد دليل علمي يثبت أن القطط تمتلك هذا المستوى من المعالجة الإدراكية. بدلاً من ذلك، تُنشئ القطط روابط ترابطية (Associative Memory) بين الأشخاص أو الأماكن والمشاعر التي خبرَتها معهم. فإذا تعرّضت القطة لألم أثناء قصّ أظافرها، قد تربط حامل المقصّ بالألم وتتجنبه لاحقاً، لكن هذا لا يعني أنها «تحقد»؛ بل تحاول فقط تجنّب تكرار تجربة سلبية.
كم من الوقت يمكن أن تتذكّر القطة تجربة سلبية؟
بالاعتماد على شدّة الحدث وتكراره، قد تستمر الذكرى في ذاكرة القطة طويلاً. التجارب المؤلمة أو المُخيفة تُخزَّن غالباً في الذاكرة طويلة المدى، ويمكن أن تؤثّر في السلوك لأسابيع أو حتى سنوات، خاصةً إذا لم يُقدَّم لها بديل إيجابي ينفي الربط السلبي.
«لا تتذكّر القطة تفاصيل ما حدث بقدر ما تتذكّر الشعور الذي رافق الموقف.»
كيف تعرف أن قطتك منزعجة؟ علامات تدل على وجود تجربة سلبية
- اختباء مستمرّ تحت الأثاث أو في الزوايا الضيقة.
- التوقف عن استخدام صندوق الرمل أو تغيّر نمط الإخراج.
- الهسهسة، الزمجرة، أو الضرب بالمخالب عند الاقتراب.
- انخفاض الشهية أو الإفراط في الأكل نتيجة التوتر.
- حركات ذيل سريعة متوترة وأذنان للخلف.
كيف تعتذر لقطتك وتعيد بناء الثقة؟
تصحيح الربط السلبي يعتمد على استبداله بتجارب إيجابية متكررة. اتبع الخطوات الآتية:
- احترام المسافة: دع القطة تأتي إليك متى شعرت بالأمان.
- استخدام لغة العيون: جرب «الغمز البطيء» كتحية ودّية، حيث تغمض عينيك نصف إغماضة وتفتح ببطء.
- التعزيز الغذائي: قدّم لها مكافآت عالية القيمة (مثل قطع الدجاج المطهو) أثناء اقترابها منك.
- اللعب التفاعلي: استخدم عصا الصيد أو الليزر لجلسات قصيرة لتعزيز المشاركة الإيجابية.
- تهيئة بيئة آمنة: وفّر أماكن مرتفعة وأكواخ قماشية حيث تستطيع القطة الانسحاب وقت الحاجة.
منع حدوث التجارب السلبية في المقام الأول
الوقاية أفضل من العلاج. حاول أن تجعل كل تفاعل مع قطك تجربة إيجابية أو محايدة على الأقل:
- التزم بروتين ثابت لمواعيد الطعام والتنظيف لإضفاء طابع الأمان.
- استخدم التعزيز الإيجابي دائماً وتجنّب العقاب البدني أو الصراخ.
- احمل القطة بطريقة صحيحة بدعم الجسم بالكامل لتجنّب الألم.
- قدّم التعارف على البشر أو الحيوانات الأخرى تدريجياً.
- راقب لغة الجسد؛ إذا لاحظت توتراً، توقّف وأعد المحاولة لاحقاً.
الخلاصة
لا «تحقد» القطط كما نتخيّل نحن؛ لكنها تتذكّر المشاعر المرتبطة بالأشخاص والأماكن. من خلال فهم كيفية عمل ذاكرتها، يمكنك تجنّب صنع ذكريات سلبية، وتصحيح أي رابط مزعج عبر الصبر، والتعزيز الإيجابي، وبناء الروتين الآمن. عندما تشعر قطتك بالأمان إلى جانبك، ستبدّل ذكرياتها السيئة بصور جديدة مليئة بالثقة واللعب والمودة.