مرض العَوَز المَناعي المُشترك في الخيول (Combined Immunodeficiency Disease)
يعدّ مرض العَوَز المَناعي المُشترك – أو ما يُعرف اختصاراً بـ CID – أحد أخطر الأمراض الوراثية القاتلة في عالم الفروسية، وخصوصاً لدى الخيول العربية الأصيلة. يتسبّب هذا الاضطراب في غياب شبه كامل للخلايا اللمفاوية التائية والبائية، ما يجعل صغار الخيل (المهور) عاجزين عن مقاومة أبسط الميكروبات بعد نفاد الأجسام المضادة الموروثة من اللبأ. في هذا الدليل، نستعرض كل ما تحتاج إلى معرفته حول تشخيص المرض، رعايته، والسبل الفعّالة للوقاية منه عبر برامج تربية مسؤولة.
لمحة سريعة
- الفئة الأكثر عرضة: الخيول العربية وسلالاتها الهجينة.
- الانتشار: نادر عالمياً، لكنه أكثر حضوراً في مزارع التربية المتخصصة بالخيول العربية.
- نوع الوراثة: متنحٍ جسدي؛ يلزم نسختان من الجين المعيب لظهور المرض.
- العمر المُعتاد لظهور الأعراض: بين 2 و5 أشهر.
- المآل: قاتل غالباً خلال أسابيع قليلة من التشخيص.
ما هو العَوَز المَناعي المُشترك؟
يحدث المرض نتيجة طفرة في الجين المسؤول عن إنتاج الإنزيم DNA-PKcs، وهو إنزيم رئيسي في عملية إعادة ترتيب الجينات (V(D)J) لتشكيل مستقبلات الخلايا اللمفاوية. غياب هذا الإنزيم يعني فشل الجهاز المناعي في إنتاج خلايا تائية وبائية فعّالة، فيصبح جسم المهر بلا دفاع يُذكر أمام البكتيريا والفيروسات والفطريات.
كيف يعمل الجهاز المناعي الطبيعي؟
في الحالة الطبيعية، تتولّى الخلايا البائية إنتاج الأجسام المضادة بعد تعرّض الجسم للمستضدات، بينما تتولّى الخلايا التائية التعرف على الخلايا المصابة وتدميرها. في CID، لا يتم توليد أي من هذين الخطّين، لذا يعتمد المهر بالكامل على الأجسام المضادة المستلمة من حليب الأم لبضعة أسابيع فقط.
الأعراض والعلامات السريرية
رغم أن المهر المصاب يبدو سليماً عند الولادة، تبدأ العلامات بالظهور مع تراجع مستويات الأجسام المضادة الأمومية:
- التهاب رئوي متكرّر مع سعال وضيق تنفّس.
- إسهال مزمن قد يؤدي إلى الجفاف.
- إفرازات أنفية غليظة أو صديدية.
- التهاب الملتحمة واحمرار العينين أو وذمة الجفون.
- حمّى متقطّعة لا تستجيب للعلاج الاعتيادي.
- التهاب مفاصل قيحي (septic arthritis) يقيّد الحركة.
- تأخر واضح في النمو والنحافة بالرغم من التغذية السليمة.
الأسباب والعوامل الوراثية
يُورّث المرض وفق نمط متنحٍ جسدي، ما يعني أن:
- الأحصنة التي تحمل نسختين سليمتين (AA) تظلّ خالية من المرض ولا تنقله.
- الأحصنة الحاملة (Aa) تبدو سليمة تماماً لكنها تنقل نسخة واحدة من الجين المعيب.
- عند تزاوج حصانين حاملين، هناك احتمال 25٪ لإنجاب مهر مصاب (aa)، و50٪ لإنجاب مهر حامل، و25٪ لإنجاب مهر سليم كلياً.
لهذا السبب، يُعدّ فحص DNA قبل التزاوج خطوة غير قابلة للتفاوض في برامج التربية الحديثة.
مسار المرض وتطوّره
• عند الولادة: يبدو المهر طبيعياً بفضل الأجسام المضادة في اللبأ.
• عمر 1–2 شهر: بداية ظهور التهابات تنفّسية بسيطة أو خراجات جلدية.
• عمر 3–5 أشهر: تفاقم سريع، التهابات متعددة الأجهزة، إنهاء حياة المهر أو نفوقه ذاتياً.
التشخيص
- التاريخ المرضي والفحص السريري: أية إصابات متكررة أو عدم استجابة للعلاج تستدعي الاشتباه.
- عدّ دم كامل: يُظهر نقصاً حاداً في الخلايا اللمفاوية التائية والبائية.
- قياس الغلوبولين المناعي (IgM): مستويات متدنية للغاية.
- اختبار DNA: التأكيد القاطع بوجود الطفرة في الجين DNA-PKcs.
- التشريح المرضي: غياب أو ضمور الغدة الزعترية (الثيموس) والعُقَد اللمفاوية.
يعتبر اختبار الحمض النووي المعيار الذهبي لتشخيص CID، ويمكن إجراؤه عبر عيّنات دم بسيطة أو مسحات فموية.
العلاج والرعاية الداعمة
لا علاج شافياً حتى الآن، لكن يمكن إطالة العمر قليلاً وتحسين الراحة من خلال:
- مضادات حيوية واسعة الطيف للسيطرة على العدوى الثانوية.
- نقل بلازما عالية التركيز بالأجسام المضادة عند أول إشارة مرض.
- مكافحة الجفاف بالتسريب الوريدي والتغذية بالأنبوب إذا لزم الأمر.
- عزل المهر في بيئة شديدة النظافة لتقليل التعرض للجراثيم.
الوقاية واستراتيجيات التربية المسؤولة
يظلّ منع ولادة مهر مصاب الخيار الأفضل، ويمكن تحقيقه عبر:
- فحص DNA شامل لجميع الخيول المربَّية للتكاثر.
- تجنّب تزاوج حاملين معاً، والاكتفاء بتزاوج الحامل مع حصان سليم.
- تثقيف المربين حول مخاطر المرض ونمط الوراثة.
- الاحتفاظ بسجلات أنساب دقيقة ومشاركتها مع منظمات الفروسية.
- عزل سريع لأي مهر يُشتبه في إصابته لحين صدور نتائج الفحوصات.
الأسئلة الشائعة
هل يظهر المرض على الحصان الحامل للطفرة؟
لا، الحامل يمتلك نسخة جينية معيبة واحدة فقط ويبقى سليماً ظاهرياً، لكنه قادر على نقل الطفرة لنسله.
هل تُفيد البيئة المعقّمة في إطالة عمر المهر المصاب؟
لم تُثبت التجارب فاعلية طويلة الأمد للبيئات المعقّمة؛ إذ يبقى الجهاز المناعي للمهر غير قادر على مكافحة أية عدوى بسيطة بمجرد خروجه إلى بيئة عادية.
الخاتمة
يُمثّل مرض العَوَز المَناعي المُشترك تحدّياً خطيراً لمربي الخيول العربية حول العالم، إلا أنّ العلم قد وضع بين أيدينا أدوات تشخيص دقيقة وبرامج تربية قادرة على منع ظهور المرض بشكل كامل. التزام المربين بإجراء الفحوصات الجينية وتبنّي ممارسات تربية مسؤولة سيضمن مستقبلاً أكثر صحة للخيول العربية الأصيلة.