كم قوة حصان يمتلك الحصان فعلاً؟ السِّر وراء وحدة «القدرة الحصانية»
عندما تنظر إلى كتيب سيارتك وتقرأ أنها تولّد 300 حصان قد تتساءل: «هل يعني هذا أنها تعادل قوة 300 حصان حقيقي؟». بينما يُستخدم المصطلح يوميًا لوصف أداء المحركات، قليلون فقط يعرفون كيف نشأ، وكيف يقارن بقوة الحصان نفسه، والأهم: ما مقدار القدرة الحقيقية التي يستطيع الحصان إنتاجها؟ في هذا المقال سنغوص في أصل المفهوم، وطرق قياسه، والعوامل التي تؤثر فيه، لنكشف الحقيقة وراء مصطلح «القدرة الحصانية».
الأصل التاريخي لوحدة القدرة الحصانية
في أواخر القرن الثامن عشر، كان المهندس الأسكتلندي جيمس وات يعمل على تطوير وتسويق المحرك البخاري. لإقناع أصحاب المطاحن والفلاحين باستبدال خيولهم بمحركاته، احتاج وات إلى وحدة سهلة الفهم تربط بين أداء المحرك وبين القوة التي اعتادوا عليها: قوة الحصان.
كيف توصّل جيمس وات إلى الرقم 33٬000 قدم-رطل في الدقيقة؟
لاحظ وات أنّ حصان الطاحونة يدير العجلة بمتوسّط قوة يمكنه من خلالها رفع حمولة قدرها 550 رطلًا قدمًا في الثانية الواحدة، أي 33٬000 رطل-قدم في الدقيقة. ومن هنا جاءت القدرة الحصانية الواحدة.
اعترف وات لاحقًا بأن حساباته كانت مُضخَّمة قليلًا ليجعل محركاته تبدو أكثر كفاءة من الخيول، لكن الرقم ترسَّخ وأصبح معيارًا صناعيًا حتى اليوم.
ما هي القدرة الحصانية تحديدًا؟
من الناحية الفيزيائية تُعرَّف القدرة بأنها مقدار الشغل المبذول في وحدة الزمن. وعليه:
- 1 حصان ميكانيكي = 550 قدم-رطل/ثانية ≈ 745.7 وات
- 1 حصان متري (المستخدم في أوروبا) = 735.5 وات
- 1 كيلووات ≈ 1.341 حصان ميكانيكي
وهكذا فإن سيارة بقدرة 300 حصان تنتج ما يقارب 223 كيلووات من الطاقة.
كم قدرة حصانية يولّد الحصان فعليًا؟
رغم أن اسم الوحدة يوحي بأن الحصان يولّد «حصانًا واحدًا» من القدرة، فإن الحقيقة أكثر تعقيدًا ويتحكم فيها:
- الزمن الذي نقيس خلاله الأداء (ثوانٍ، دقائق، ساعات)
- نوع النشاط (جرّ، عدو، قفز)
- سلالة الحصان وبُنيته ودرجة تدريبه
القدرة المستمرة
دراسات كثيرة أظهرت أن الحصان متوسط الحجم يمكنه الحفاظ على قدرة تقارب 0.8–1.2 حصان لمدة تتراوح بين 20 و 30 دقيقة.
القدرة القصوى اللحظية
خلال انطلاقٍ قصير أو قفزة مفاجئة، يمكن للحصان المدرب أن يبلُغ 12–15 حصانًا «لحظيًا» لثوانٍ معدودة، قبل أن يقل الأداء مع تراكم حمض اللاكتيك والإجهاد العضلي.
وللمقارنة، يُظهِر حصان الجرّ الثقيل (Clydesdale أو Shire) قدرة مستمرة أعلى قليلًا من الحصان الخفيف، لكنه أقل تفوقًا في القدرة اللحظية عن حصان السباق (Thoroughbred).
العوامل التي تؤثّر في قدرة الحصان
- السلالة: خيول السباق الرشيقة تتفوق في السرعة، بينما خيول الجرّ تتفوّق في السحب المستمر.
- الكتلة العضلية: زيادة الكتلة العضلية الخالية من الدهون تعني أليافًا أكثر قادرة على الانقباض، ما يرفع القدرة.
- صحة الجهاز التنفسي: القدرة على توصيل الأكسجين إلى العضلات أساس الأداء العالي.
- التغذية والترطيب: النقص في الأملاح أو الطاقة يقلل القدرة بسرعة.
- التدريب والتحمّل: برنامج تدريب منتظم يطوّر كفاءة القلب والرئتين ويؤخر التعب العضلي.
كيف يتم قياس قدرة الحصان عمليًا؟
يستخدم الأطباء البيطريون والباحثون دينامومتر الخيول، وهو جهاز يقيس القوة والعزم أثناء جرّ أو دفع حمل محدد. تُربط الخيول بنظام أحزمة متصلة بعمود دوّار يحوِّل القوة الميكانيكية إلى بيانات رقمية.
يأخذ البرنامج في الاعتبار وزن الحصان وسرعة الدوران، ويُخرج قدرة آنية ومتوسطة. هكذا نعرف مدى تقدُّم لياقة الحصان أو حاجته إلى تعديل نظام التدريب.
قدرة الحصان مقابل قدرة السيارة: مقارنة حتمية
من الخطأ أن نُجري مقارنة مباشرة بين رقمَي القدرة في الحصان والسيارة للأسباب التالية:
- محركات السيارات تُقاس قدرتها على عمود المرفق في مختبرات مضبوطة الحرارة والرطوبة، بينما يُقاس أداء الحصان في ظروف بيئية متغيرة.
- المحرك يستطيع الحفاظ على قدرته القصوى لفترة أطول بكثير من الحصان قبل أن يسخن أو يتلف.
- تُنقَل قدرة المحرك إلى العجلات مع فقد طفيف، بينما تتبدّد قدرة الحصان عبر الاحتكاك بالأرض وعدم كفاءة الحركة.
مع ذلك، يظل مصطلح القدرة الحصانية طريقة موجزة وفعّالة لوصف الطاقة، حتى لو كان الحصان الحي لا يولّد رقمًا ثابتًا واحدًا.
حقائق ممتعة حول القدرة الحصانية
- القوارض الصغيرة مثل جرذ المسك قد تولّد أكثر من حصان واحد لكل كيلوغرام من وزنها أثناء الهروب!
- أسرع حصان سُجِّلت سرعته رسميًا بلغ 88 كم/ساعة، ما يعادل قدرة لحظية تفوق 15 حصانًا بقليل.
- وحدة القدرة الحصانية تُستخدم حتى في تقييم المكانس الكهربائية وبعض أجهزة المطبخ لتسويق القوة.
الأسئلة الشائعة
هل يعني ذلك أن سيارة 300 حصان تحتاج إلى 300 حصان حقيقي لدفعها؟
لا، لأن المحرك ينتج قدرته في وقت واحد وفي بيئة مثالية، في حين أن كل حصان حقيقي يصل إلى ذروته في أوقات مختلفة، فضلاً عن خسائر الاحتكاك والتعب.
لماذا لا نستبدل وحدة القدرة الحصانية بوحدة الواط أو الكيلوواط؟
الكيلوواط هو الوحدة المعيارية في الفيزياء والهندسة، لكن «القدرة الحصانية» ما تزال أكثر جاذبية وسهولة في التسويق للعموم.
الخلاصة
رغم أن الاسم يوحي بخلاف ذلك، لا يولّد الحصان الواحد قدرة ثابتة تبلغ «حصانًا واحدًا» في جميع الأوقات. فبينما يمكنه الحفاظ على نحو حصان واحد من القدرة لفترة قصيرة، يمكن أن تصل قدرته اللحظية إلى 15 حصانًا أو تتراجع إلى أقل من نصف حصان خلال عمل طويل شاق. لقد ابتكر جيمس وات هذه الوحدة لتسويق اختراعه، لكنها اليوم لا تزال تربطنا بعصر الخيول وتمنحنا مقياسًا مألوفًا للطاقة.
في المرة المقبلة التي تسمع فيها صوت محرّك جديد بقوة 500 حصان، ستعلم أن السر يكمن في حسابات عمرها أكثر من قرنين، وأن الحصان الحقيقي لديه حكاية مختلفة تمامًا!
المراجع
- جيمس وات. “تاريخ تطور المحرك البخاري.” , 2021. ar.wikipedia.org
- كريس بارنز. “القدرة الحصانية: مقارب تاريخي.” , 2021. www.horseandhound.co.uk