مرض فون ويليبراند لدى القطط: فهمٌ معمّق لحالة نادرة وخطيرة

قد يظن الكثير من مُربّي القطط أن مشكلات النزيف العفوي أو النزيف المفرط بعد الجراحة تقتصر على حالات طارئة عابرة، إلا أن مرض فون ويليبراند (vWD) يُعدُّ أحد أبرز الاضطرابات الوراثية النادرة التي قد تُصيب القطط وتُسبب نزيفاً مزمناً أو شديداً يهدّد حياتها إذا لم يُشخَّص ويُعالج بالشكل الصحيح. في السطور التالية سنأخذك في جولة شاملة حول هذا المرض، بدءاً من الدور الحيوي لعامل فون ويليبراند في تخثر الدم مروراً بالأعراض وطرق التشخيص ووصولاً إلى أحدث استراتيجيات العلاج والعناية المنزلية.

ما هو مرض فون ويليبراند؟

هو اضطراب نزفي وراثي ناتج عن نقص أو خلل في بروتين بلازمي يُسمى عامل فون ويليبراند (vWF). هذا البروتين مسؤول عن التصاق الصفائح الدموية بموضع الإصابة، وتثبيت عامل التخثر الثامن (Factor VIII)، ما يسمح بتكوين جلطة دموية فعّالة تمنع استمرار النزيف. عندما يكون هذا العامل غير كافٍ أو غير وظيفي، يصبح الدم غير قادر على التجلط سريعاً، فيحدث النزيف بسهولة ويستمر لفترة أطول من المعتاد.

أهمية عامل فون ويليبراند في عملية التخثر

  • الالتصاق الأولي للصفائح الدموية: يساعد vWF الصفائح على الالتصاق بجدار الوعاء الدموي المتضرر.
  • تجميع الصفائح الدموية: يعمل كجسر يربط الصفائح ببعضها لتكوين القابس الدموي الأولي.
  • حماية عامل التخثر الثامن: يحافظ على استقرار Factor VIII أطول فترة ممكنة داخل الدورة الدموية.

أنواع مرض فون ويليبراند في القطط

النوع الأول (Type I)

يتميز بانخفاض جزئي في كمية vWF، وعادةً ما تكون الأعراض خفيفة إلى متوسطة. معظم القطط المُصابة قد لا تظهر عليها علامات إلا بعد خضوعها لعملية جراحية أو إصابة.

النوع الثاني (Type II)

يُسجل خللاً نوعياً في بُنية vWF، ما يفقده جزءاً كبيراً من كفاءته الوظيفية. تُعدّ هذه الصورة أقل شيوعاً في القطط لكنها أكثر خطورة من النوع الأول.

النوع الثالث (Type III)

ينطوي على غياب شبه كامل لـ vWF. هو الشكل الأكثر ندرة والأشد حدّة، وغالباً ما يؤدي إلى نزيف تلقائي مع توقعات إنذارية حذرة.

الأعراض والعلامات السريرية المحتملة

  • نزيف متكرر من الأنف (رُعاف) أو اللثة
  • كدمات أو نقط نزفية تحت الجلد (Petecchiae)
  • نزيف مطوّل بعد الجراحة أو خلع الأسنان
  • وجود دم في البول أو البراز
  • نزيف مهبلي غير طبيعي في الإناث
  • نزف داخل العين أو المفاصل في الحالات الشديدة

قد تمرّ بعض القطط المُصابة بدون أعراض ظاهرة حتى تتعرض لحدث يستدعي التخثر السريع مثل عملية تعقيم أو وقوع حادث.

العوامل المسببة وانتشار المرض

يُورث المرض بطريقة وراثية جسمية سائدة غير مكتملة الاختراق، أي أن وجود نسخة واحدة معيبة من الجين قد تكفي لظهور الأعراض، لكن حدّتها تختلف حسب كمية vWF المُنتجة. على الرغم من أن vWD مُسجَّل لدى معظم السلالات، فإنه يظل نادر الحدوث في القطط مقارنة بالكلاب، مع بعض التقارير لدى السلالات طويلة الشعر مثل Maine Coon وسلالات أخرى مُختلطة.

كيف يتم التشخيص؟

يبدأ الطبيب البيطري غالباً بفحص سريري كامل وأخذ تاريخ مرضي مفصَّل، ثم يختار واحداً أو أكثر من الاختبارات التالية:

  1. تعداد الدم الكامل (CBC): للكشف عن فقر الدم أو اضطرابات الصفائح.
  2. زمن النزف من الغشاء المخاطي الفموي (BMBT): اختبار بسيط يقيّم سرعة توقف النزيف.
  3. قياس تركيز vWF في البلازما (vWF:Ag): يُقاس بنسبة مئوية مقارنة بالقطط السليمة.
  4. تحليل الأنماط المتعددة لـ vWF (Multimer Analysis): يحدد التركيب الجزيئي لبروتين vWF للتفريق بين الأنواع.
  5. اختبارات زمن البروثرومبين (PT) وزمن الثرومبوبلاستين الجزئي المُنشَّط (aPTT): تستبعد أمراض تخثرية أخرى.

خيارات العلاج وإدارة النزيف

لا يوجد علاج نهائي لمرض فون ويليبراند، لكن الخبر الجيد أن إدارة النزيف ممكنة عبر مجموعة من الخيارات:

  • Desmopressin (DDAVP): هرمون اصطناعي يطلق vWF المخزَّن مؤقتاً؛ يُستخدم عادةً قبل الجراحة ويعطي تأثيراً يستمر 2–4 ساعات.
  • نقل البلازما الغنية بالـ vWF أو الكرايوبريسيبيتات: خيار فعّال في النزيف الشديد أو التحضير للإجراءات الجراحية الرئيسية.
  • نقل الدم الكامل: عند وجود فقد دم كبير أو أنيميا حادة.
  • الأدوية المساعدة لتثبيت التخثر: مثل حمض الترانيكساميك لإبطاء تكسير الخثرة.

الاستعداد للجراحة

إذا كانت قطتك مُصابة أو يُشتبه إصابتها بـ vWD، ينبغي:

  1. إجراء فحص تركيز vWF مسبقاً.
  2. تحضير جرعة DDAVP أو بلازما غنية لتُعطى قبيل الجراحة.
  3. مراقبة وقت النزف أثناء العملية وبعدها.

الأدوية الواجب تجنبها

بعض العقاقير تُضعف وظيفة الصفائح الدموية فتزيد النزيف، أهمها:

  • مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) مثل الأسبرين والإيبوبروفين.
  • الستيرويدات بجرعات عالية لفترات طويلة.
  • مميعات الدم البشرية مثل الوارفارين.

معلومة مهمة: حتى جرعات قليلة من الأسبرين قد تكفي لإطالة زمن النزيف لدى القطط المُصابة بمرض فون ويليبراند، لذا لا تُعطِ أي دواء دون استشارة الطبيب البيطري.

التعايش ونصائح العناية المنزلية

التعامل اليومي مع قط مُصاب بمرض فون ويليبراند يتطلب بعض الاحتياطات:

  • الحفاظ على بيئة منزلية آمنة خالية من الأشياء الحادة والزوايا الخطرة.
  • تقصير الأظافر بانتظام لتقليل احتمالية الخدش والنزيف.
  • تجنب الألعاب العنيفة أو الشجارات مع حيوانات أليفة أخرى.
  • إبلاغ الطبيب البيطري دائماً عن الإصابة قبل أي إجراء طبي مثل تنظيف الأسنان أو التطعيمات.
  • فحص اللثة والأنف والبول والبراز دوريّاً لاكتشاف أي نزيف مبكر.

مع العناية السليمة، يمكن للقطط المصابة بالنوع الأول العيش حياة طبيعية تماماً. رغم ذلك، يوصى بإجراء اختبارات دورية (مرة واحدة سنوياً أو حسب إرشادات الطبيب) لمراقبة تركيز vWF وحالة الصفائح.

التوقعات (البروغنوزا)

يتوقف الإنذار على نوع المرض ودرجة النقص:

  • النوع الأول: توقعات ممتازة طالما تم التحكم بأي نزيف حاد.
  • النوع الثاني: توقعات متوسطة؛ يحتاج القط إلى مراقبة دقيقة قبل الجراحة وبعدها.
  • النوع الثالث: توقعات حذرة وبقاء أقل إذا حدث نزيف داخلي غير مُتحكم فيه، لكن التدخل السريع قد يُحسن الجودة العامة للحياة.

أسئلة شائعة

هل يمكن الوقاية من مرض فون ويليبراند؟

المرض وراثي؛ الوقاية الحقيقية تكون عبر اختبارات الفحص الوراثي قبل التزاوج واستبعاد الحيوانات الحاملة للجين.

هل ينتقل المرض إلى الإنسان؟

لا، مرض فون ويليبراند خاص بالقطط (والحيوانات الأخرى) ولا يُصيب البشر بالتعايش اليومي.

هل توجد حمية خاصة للقطط المصابة؟

لا توجد حمية محددة، لكن الحفاظ على وزن صحي ومستويات جيدة من الفيتامين «ك» يُساعد على كفاءة التخثر.

في الختام، يُعدُّ مرض فون ويليبراند تحدياً طبياً لكنه قابل للإدارة إذا توافرت المعرفة الصحيحة والتشخيص المبكر وخطة العلاج الملائمة. استشر طبيبك البيطري فور ملاحظة أي علامات نزيف لضمان أفضل رعاية لقطتك.

المراجع

  1. كلية الطب البيطري بجامعة أريزونا. “مرض فون ويليبراند في القطط: الأعراض وطرق العلاج.” , 2021-09-15. vetmed.arizona.edu


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version