انعدام التعرّق لدى الخيول: الدليل الشامل للأسباب، العلامات، التشخيص والعلاج
يُعد التعرّق الآلية الطبيعية الأولى للتخلّص من حرارة الجسم الزائدة لدى الخيول، ولذلك فإن أي خلل في هذه الوظيفة قد يعرّض الحصان لخطر الإجهاد الحراري وربما لفقدان حياته. يُطلق على فشل الغدد العَرَقية في إنتاج العَرَق اسم انعدام التعرّق (Anhidrosis)، كما يعرف أحيانًا بين المربّين باسم «المعطف الجاف» أو «مرض النفَس السريع». في هذا الدليل نعرض لك كل ما تحتاج معرفته عن هذه الحالة، بدءًا من أسبابها ومرورًا بعلاماتها ووصولًا إلى أحدث طرق التشخيص وأساليب الرعاية اليومية.

ما هو انعدام التعرّق؟
انعدام التعرّق هو حالة يفقد فيها الحصان القدرة على إفراز العَرَق بشكل جزئي أو كلي، ما يمنعه من تبريد جسمه أثناء العمل أو في الطقس الحار والرطب. على الرغم من أن التسمية تبدو بسيطة، فإن الحالة معقّدة وتشمل تفاعلات هرمونية وعصبية قد لا تُكتشَف بسهولة في بدايتها.
كيف يتعرّق الحصان عادةً؟
تمتلك الخيول غدد عَرَقية أبوقراطية منتشرة في طبقة الأدمة من الجلد، وتستجيب هذه الغدد لتحفيز الجهاز العصبي الودي الذي يُفرِز الأدرينالين. عندما ترتفع حرارة الجسم، تُفرَز كميات دقيقة من الأدرينالين ترتبط بمستقبلات بيتا (β2) في الغدد، فتُطلِق الغدة العَرَق الغني بالأيونات مثل الصوديوم والبوتاسيوم والكلوريد.
دور الغدد العَرَقية
الغدد العَرَقية لدى الخيول فعّالة للغاية؛ حيث يُقدّر أن الحصان الرياضي يمكنه فقدان ما يقرب من 10–15 لترًا من العَرَق في ساعة تمرين شاق. هذا الفقدان الهائل للسوائل والإلكتروليتات يجعل التعرّق خط الدفاع الأول ضد فرط الحرارة.
لماذا يحدث انعدام التعرق؟
لا يوجد سبب واحد مُحدَّد، ولكن الأبحاث تشير إلى عدة عوامل متداخلة تؤثّر في قدرة الغُدد العَرَقية على الاستجابة للمحفّزات:
1. العوامل البيئية
- الحرارة والرطوبة الدائمتان: الخيول التي تعيش في مناخ استوائي أو شبه استوائي معرضة أكثر لتوقف التعرّق نتيجة إجهاد الغدد المستمر.
- التمرين الزائد: العمل الشاق في بيئة حارة يزيد الحمل الحراري الداخلي ويُجهد الآلية الطبيعية للتعرّق.
2. الاضطرابات الهرمونية والعصبية
تُشير الدراسات إلى احتمال انخفاض حساسية مستقبلات بيتا للأدرينالين في الغدد العَرَقية، أو خلل في الإشارات العصبية المسؤولة عن التعرّق.
3. العوامل الوراثية والمزمنة
رُصِدت حالات عائلية في بعض سلالات السباق، ما يوحي بعامل وراثي محتمل. كما أن الخيول الأكبر سنًا قد تُطوّر انعدام التعرّق بصفة مزمنة نتيجة تعب الغدد.
علامات الإصابة بانعدام التعرق
- غياب أو قلّة واضحة للتعرّق أثناء التمرين أو في الحر.
- تسارع التنفس و«اللهاث» الذي يشبه تنفّس الكلاب.
- ارتفاع درجة حرارة الجسم (قد تصل إلى 42°م بعد مجهود بسيط).
- جفاف شعر الرقبة والجبهة على الرغم من العناء البدني.
- انخفاض مستوى الأداء والقدرة على التحمل.
- شحوب الأغشية المخاطية أو احمرارها الشديد مع نبض مرتفع.

المضاعفات إذا تُركت الحالة بلا علاج
قد يؤدي انعدام التعرّق غير المُدار إلى:
- إجهاد حراري وسكتة حرارية قد تكون قاتلة.
- تلف عضلي بسبب ارتفاع حرارة الأنسجة.
- اضطرابات كهربية في القلب بسبب فقدان الإلكتروليتات.
- جفاف عام ينعكس على الأداء والكلى والجهاز الهضمي.

كيفية التشخيص
1. التاريخ المرضي والفحص السريري
يسأل الطبيب البيطري عن ظروف التدريب والبيئة ووقت ظهور الأعراض. يُفحَص جلد الحصان بعناية، ويُقاس معدل التنفس والنبض ودرجة الحرارة قبل وبعد التمرين.
2. اختبار التحريض على التعرق
يُعرف أيضًا بـ«اختبار الأدرينالين الجلدي». تُحقَن جرعات صغيرة من الأدرينالين أو التيربوتالين تحت الجلد في نقاط مختلفة، ثم تُقاس كمية العَرَق المتولّد حول موضع الحقن بعد فترة محددة. غياب العَرَق يؤكد انخفاض أو انعدام استجابة الغدد للعامل المُحفّز.
3. فحوص مخبرية مساعدة
- تحليل دم لقياس الإلكتروليتات ووظائف الكبد والكلى.
- تحليل شعر أو عَرَق (إن وُجد) لتحديد التركيب المعدني.

خيارات العلاج والرعاية اليومية
1. التبريد الفوري
يُنصَح برش الماء البارد على كامل جسم الحصان مع استخدام مراوح لتسريع التبخّر. يُكرر ذلك كل بضع دقائق حتى تنخفض حرارة الجسم إلى 38.5°–39°م.
2. تهيئة بيئة أكثر برودة
• إبقاء الحصان في إسطبل ذي تهوية جيدة ومراوح سقفية أو جدارية.
• تشغيل ضباب رذاذ خفيف أو نظام رشاشات عند ارتفاع الحرارة.
• تمرين الحصان في ساعات الصباح الباكر أو المساء لتجنب ذروة الحرارة.
3. المكملات الغذائية والإلكتروليتات
تعويض الصوديوم والكلوريد والبوتاسيوم أساسي لاستعادة التوازن. يمكن إضافة بودرة الإلكتروليت إلى ماء الشرب أو الأعلاف، كما ثبت أن بعض المكملات مثل فيتامين E وC قد تحسن استجابة الخلايا للتوتر الحراري.

4. أدوية وتجارب علاجية شائعة
- One AC®: مكمل عشبي يحتوي على أرجنين وفيتامينات يُعتقد أنها تدعم مستقبلات بيتا.
- الثايروكسين (T4): يُجرَّب أحيانًا لتحفيز معدل الأيض، لكن نتائجه متباينة ويجب استخدامه تحت إشراف بيطري صارم.
- البيرة الداكنة: يشيع استخدامها شعبيًا، ولا يوجد دليل علمي قوي يؤكد فعاليتها، لكنها قد تحفز الشهية وتزيد استهلاك الماء.
الوقاية وإدارة المخاطر
- تكييف تدريجي للخيول الجديدة على المناخ الحار خلال 10–14 يومًا.
- توفير مياه شرب باردة ونظيفة في جميع الأوقات.
- فحص حالة التعرّق بصفة دورية، خاصة في الخيول الرياضية.
- تسجيل درجات الحرارة والنبض والتنفس بعد التمرين لملاحظة أي تغيّر مبكر.
أسئلة شائعة
هل يمكن أن يختفي انعدام التعرق من تلقاء نفسه؟
قد تتحسن بعض الحالات عند نقل الحصان إلى مناخ أبرد أو في فصل الشتاء، لكن التحسن ليس مضمونًا وقد ينتكس الحصان عند عودته إلى الحر.
هل إصابة الحصان بانعدام التعرق تعني نهاية مسيرته الرياضية؟
ليس بالضرورة. مع الإدارة الجيدة والتمرين في درجات حرارة معتدلة واتباع خطوات الوقاية، يمكن للعديد من الخيول الاستمرار في أداء عملها أو سباقاتها.
هل يمكن استخدام القهوة أو المنشطات لتحفيز التعرق؟
لا توجد أدلة علمية قوية على أن الكافيين أو المواد المنشطة تحفز التعرق بشكل آمن. قد ترفع هذه المواد معدل النبض وتزيد الحمل على القلب، ما يفاقم المشكلة.
نصيحة سريعة: احتفظ بمقياس حرارة رقمي في إسطبلك وافحص درجة حرارة حصانك دائمًا بعد التمرين في الأيام الحارة؛ القراءة المبكرة لإنذار الخطر تزيد فرصة الحفاظ على صحته.
الخلاصة
انعدام التعرق مشكلة خطيرة، لكن إدراك علامات الخطر والتشخيص المبكر والرعاية البيئية السليمة يمكن أن يحدّ من مضاعفاتها ويمنح حصانك فرصة للحفاظ على أدائه وصحته. استشر طبيبك البيطري فور ملاحظتك أي نقص في التعرّق أو علامات إجهاد حراري، ولا تتردد في تطبيق خطوات الوقاية الموصى بها لحماية خيولك طوال موسم الصيف.