لا يخفى على أحد أن للصحة النفسية تأثيرًا مباشرًا على جودة حياتنا اليومية، ومع ذلك غالبًا ما نغفل عن أحد أبسط مصادر الدعم العاطفي والراحة النفسية: الحيوانات الأليفة. سواء كنت من محبي الكلاب أو القطط أو حتى الأسماك الهادئة في حوض منزلي، فإن وجود حيوان أليف يمكن أن يُحدث فرقًا جوهريًّا في مستويات التوتر لديك، وإحساسك بالمعنى، وحتى في صحتك الجسدية.

تعريف الصحة النفسية وأهمية الدعم العاطفي
تشير الصحة النفسية إلى حالة التوازن العاطفي والمعرفي والاجتماعي التي تُمكّن الفرد من التعامل مع ضغوط الحياة، والعمل بكفاءة، والمساهمة في مجتمعه. ومن أهم عوامل تعزيز هذا التوازن هو وجود دعم عاطفي مستمر؛ وهنا يأتي دور الحيوانات الأليفة بوصفها مصدرًا لا ينضب من الحب غير المشروط والرفقة الصامتة.

كيف تساعد الحيوانات الأليفة في تحسين صحتك النفسية؟
1. تقليل التوتر والقلق
لمس فراء حيوان أليف أو مجرد النظر إليه يمكن أن يُخفض مستوى هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر) في الجسم، بينما يرفع مستويات السيروتونين والدوبامين المسؤولة عن الشعور بالسعادة.
- دقائق قليلة من ملاعبة الكلب تُقلل ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.
- صوت خرخرة القطط له تأثير مهدئ مشابه للتأمل.
- النظر إلى السمك في حوض مائي يقلل القلق ويُحسن المزاج في غضون دقائق.

2. زيادة إفراز هرمونات السعادة
التفاعل اليومي مع الحيوانات الأليفة يُحفز إفراز الأوكسيتوسين، وهو نفسه الهرمون الذي يعزز الرابط العاطفي بين الأم وطفلها، ما يخلق شعورًا بالانتماء والأمان.

3. توفير روتين يومي وهيكل للحياة
إطعام حيوانك الأليف في أوقات محددة، والتنظيف، والمشي المنتظم للكلاب يفرض روتينًا ثابتًا يساعد على إدارة الوقت ويعزز الإحساس بالمسؤولية، وهو عنصر علاجي موصى به في برامج علاج الاكتئاب.

الفوائد حسب نوع الحيوان الأليف
الكلاب
الكلاب اجتماعية بطبعها وتشجع أصحابها على ممارسة الرياضة من خلال المشي اليومي واللعب. أظهرت دراسات أن أصحاب الكلاب يمارسون نشاطًا بدنيًّا أكبر بنسبة 34٪ من غيرهم، ما ينعكس إيجابًا على المزاج والطاقة.
القطط
توفر القطط رفقة هادئة لا تتطلب جهدًا بدنيًّا كبيرًا، ما يجعلها مثالية لمن يعانون من محدودية الحركة أو يعيشون في شقق صغيرة. خرخرتها ذات تردد يتراوح بين 20–140 هرتز، وهي نطاق ثبت علميًّا أنه يساعد على شفاء العظام وتقليل التوتر.
الأسماك والطيور والقوارض
مجرد مراقبة حركة السمك الانسيابية أو سماع زقزقة العصافير الصباحية يمكن أن يخلق بيئة منزلية مُهدئة، بينما توفر القوارض الصغيرة مثل الهامستر والجيربيل رفقة ممتعة بتكلفة وجهد أقل.

العلاج بمساعدة الحيوانات الأليفة (Pet Therapy)
“العلاج بمساعدة الحيوانات لا يهدف فقط إلى الشعور بالسعادة، بل يُترجَم إلى تحسُّن سريري ملموس لدى المصابين بالاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة.”
تستعين المستشفيات ودور المسنين والعيادات النفسية بكلاب وقطط وحتى خيول صغيرة في جلسات علاجية موجهة. تُظهر الأبحاث أن وجود حيوان أليف أثناء جلسات العلاج يُسهل تواصل المرضى ويُخفض مستويات التوتر اللحظي بنسبة تصل إلى 38٪.
ما تقوله الأبحاث العلمية
فيما يلي بعض النتائج البارزة:
- دراسة في مجلة الطب السلوكي وجدت أن أصحاب الكلاب لديهم مستويات أقل من الاكتئاب بنسبة 36٪ مقارنة بغير المالكين.
- بحث أجرته جامعة زيورخ أظهر أن طلاب الجامعة الذين تفاعلوا مع حيوان أليف لمدة 10 دقائق يوميًّا شعروا بزيادة ملحوظة في التركيز وتقليل مستويات القلق قبل الامتحانات.
- في وحدات العناية الفائقة، وجود كلب علاج خفّض إجمالي أيام الإقامة بالمستشفى بمعدل يومين في المتوسط.

من المستفيدون الأكثر؟
رغم أن الجميع يمكن أن يستفيد من مرافقة الحيوان الأليف، فإن الفئات التالية قد تشهد تحسُّنًا ملحوظًا:
- الأطفال المصابون باضطرابات طيف التوحد.
- الجنود وقدامى المحاربين المصابون باضطراب ما بعد الصدمة.
- كبار السن الذين يعيشون بمفردهم.
نصائح لاختيار الحيوان الأليف المناسب
- قيِّم نمط حياتك ومساحة منزلك قبل الاختيار.
- ابحث عن مستوى النشاط المطلوب؛ بعض السلالات تحتاج إلى تمرين طويل يوميًّا.
- تأكد من القدرة المالية لتغطية الطعام والرعاية البيطرية.
- فكّر في التبني من ملاجئ الحيوانات قبل الشراء.
مسؤوليات امتلاك حيوان أليف
الحب وحده لا يكفي؛ تحتاج لتوفير الرعاية الصحية الدورية، التغذية السليمة، التدريب، والتحفيز الذهني لحيوانك الأليف. إهمال أي من هذه الجوانب قد يُحوِّل الفائدة النفسية إلى عبء إضافي.
ماذا لو لم تستطع امتلاك حيوان أليف؟
إذا كانت ظروفك المعيشية أو الصحية لا تسمح بتبني حيوان، يمكنك التطوع في ملاجئ الحيوانات، أو حتى زيارة أصدقاء لديهم حيوانات أليفة بانتظام للحصول على جرعتك من الرفقة الفروية.

خاتمة
سواء كنت تبحث عن تخفيف التوتر، أو زيادة الشعور بالهدف، أو مجرد رفيق وفيّ، فإن الحيوانات الأليفة تقدم مجموعة مذهلة من الفوائد النفسية والجسدية. ومع قليل من التخطيط والمسؤولية، يمكن لعلاقة الصداقة هذه أن تُحدث فرقًا حقيقيًّا ودائمًا في حياتك.
المراجع
- د. مارك شوتا. “الحيوانات الأليفة وتأثيرها على مستوى التوتر.” , 2019-01-11. www.verywellmind.com