لماذا تظلم قوانين حظر السلالات كلاب البيتبول؟
لأكثر من ثلاثة عقود، أصدرت مدن وولايات وحتى بعض الدول قوانين تُعرَف باسم «تشريعات خاصة بالسلالة» (Breed-Specific Legislation – BSL) بهدف الحدّ من حوادث العضّ ومنع تكرار قصص الهجوم التي تتصدر العناوين. غالباً ما تضع هذه القوانين كلاب البيتبول في موضع الاتهام، فتُمنع من دخول بعض المناطق، أو تُفرَض على أصحابها رسوم تأمين باهظة، أو تُشترط عليهم تدابير غير واقعية. لكن هل تؤدي هذه التشريعات فعلاً إلى مجتمعات أكثر أماناً، أم أنها مجرد حلّ سريع مبنيّ على الخوف وسوء الفهم؟ سنستعرض في هذا المقال أصل الفكرة، وأسباب قصورها، والبدائل التي أثبتت نجاحاً أكبر.

ما هي تشريعات حظر السلالات؟
تشريعات حظر السلالات هي قوانين ولوائح تُقيِّد أو تحظر امتلاك سلالة معيّنة من الكلاب. في معظم الحالات تكون السلالة المستهدفة هي البيتبول، لكن القائمة قد تتسع لتشمل الروتوايلر، الدوبرمان، الأكيتا، وغيرها. تختلف القيود ما بين:
- الحظر الكامل: يمنع القانون تملك الكلب أو حتى إدخاله إلى المدينة.
- التقييد المشروط: يسمح بالامتلاك مقابل تركيب كمامة في الأماكن العامة أو الحصول على تأمين يُكلِّف مئات الدولارات سنوياً.
- ثبت الخطورة: يُفترض في الكلب أنه «خطر» سلفاً لمجرد انتمائه إلى السلالة، بغض النظر عن سلوكه الفردي.
كيف بدأ كل شيء؟
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، تناقلت وسائل الإعلام عدداً من الحوادث الخطيرة التي تورطت فيها كلاب تُصنَّف على أنها «بيتبول». ورغم أن تقارير الشرطة لم تكن دائماً دقيقة في تحديد السلالة، إلا أن التغطية المكثفة ولّدت حالة ذعر مجتمعي. فكان الحل الأسرع –من وجهة نظر المشرّعين– هو حظر السلالة بالكامل. غير أن الدراسات اللاحقة أثبتت أن تعريف «بيتبول» نفسه فضفاض، وغالباً ما يخلط الناس بينه وبين سلالات أو خليط سلالات أخرى.
خرافات شائعة حول البيتبول

- «فك البيتبول يُطبِق ولا يفتح». حقيقةً، لا يمتلك البيتبول آلية قفل إضافية في فكه؛ قوة عضّه مساوية لكلب بنفس الحجم.
- «البيتبول مُبرمَج جينياً على العدوانية». السلوك هو نتيجة مزيج من البيئة والتربية والوراثة، وليس الجينات وحدها.
- «نسبة حوادث العض أكبر بكثير لدى البيتبول». عند تحليل البيانات بالاعتماد على أرقام التسجيل الفعلية للسلالات، تتلاشى هذه الفروق أو تختفي تماماً.
لماذا تفشل تشريعات حظر السلالات؟
تبدو فكرة استهداف «السلالة الخطرة» سهلة التطبيق، لكنها تُخفق لخمسة أسباب محورية:
- صعوبة تحديد السلالة: أكثر من 60٪ من كلاب الملاجئ مختلطة السلالات، وغالباً ما لا يستطيع حتى الخبراء تحديد نسبها بدقة من المظهر فقط.
- عدم معالجة الجذر الحقيقي للمشكلة: السلوك الخطير غالباً ما يعود إلى الإهمال، أو سوء التدريب، أو غياب التنشئة الاجتماعية، وليس إلى السلالة بحد ذاتها.
- تكلفة إنفاذ مرتفعة: تحتاج البلديات إلى تمويل إضافي لتحديد السلالة ومصادرة الكلاب، ما يصرف الموارد عن برامج السلامة الأكثر تأثيراً.
- انتقال المشكلة: يُمكن للمالك غير المسؤول ببساطة أن ينتقل إلى مدينة مجاورة بلا حظر، فيعود الخطر مجدداً.
- الأثر السلبي على الأسر المسؤولة: تُجبر العائلات على التخلي عن حيواناتها الأليفة المطيعة فقط لأنها تشبه «البيتبول» شكلياً.
ماذا يقول العلم؟
«لا يمكن التنبؤ بعدوانية كلب ما من خلال مظهره أو سلالته فقط، إذ تلعب تنشئة الكلب وتدريبه دوراً حاسماً في تشكيل سلوكه» – الجمعية الأمريكية للطب البيطري (AVMA).
حللت دراسة نُشرت في مجلة Anthrozoös أكثر من 2,000 حالة عضّ، فوجدت أن 40٪ منها كانت من كلاب غير مُصنَّفة كسلالات «خطرة». كذلك، تبيّن أن غياب الإشراف البشري كان العامل المشترك الأكبر في معظم الحالات. بمعنى آخر، يقع الخطأ على سلوك المالك أكثر من سلالة الكلب.
بدائل فعّالة لتشريعات حظر السلالات

بدلاً من الاعتماد على حلول مُبسَّطة، توصي المنظمات البيطرية والجمعيات الرفيقة بالحيوان بالخطوات التالية:
- قوانين محايدة السلالة: تُركّز على سلوك الكلب الفردي بغض النظر عن شكله.
- برامج تدريب إلزامية: دورات أساسية في الطاعة ومسؤولية المالك لكل كلب جديد.
- التعقيم والخصي للحدّ من الهرمونات التي قد تزيد السلوك العدواني.
- تطبيق قوانين الربط والكمامة في الأماكن العامة على جميع السلالات بلا استثناء.
- التوعية المبكرة في المدارس حول كيفية التفاعل الآمن مع الكلاب.
دروس من مدن ألغت حظر البيتبول

في عام 2012، ألغت مدينة كالغاري الكندية حظر البيتبول واستبدلته بنظام ترخيص صارم وبرامج تدريب إلزامية. النتيجة؟ انخفضت حوادث العضّ بنسبة 58٪ خلال خمس سنوات. وكشف تقرير لاحق أن ما يقرب من نصف الحوادث المتبقية كانت من كلاب لا تحمل رخصة أو لم تتلقَّ تدريباً.
كيف يمكننا بناء مجتمعات أكثر أماناً؟
الأمان الحقيقي يبدأ بفهم أن كل كلب قادر على العض إذا أُسيء التعامل معه أو تُرك من دون إشراف، بينما يستطيع أي كلب أن يكون سفيراً رائعاً لسلالته إذا حظي بالتنشئة الصحيحة. إليك بعض النصائح العملية:
- التسجيل والترخيص لجميع الكلاب لضمان المساءلة.
- التدريب الإيجابي باستخدام المكافأة لبناء الثقة.
- تعليم الأطفال قراءة لغة الجسد الكلبية مثل الذيل المشدود أو الأذنين للخلف.
- عدم ترك الكلاب والأطفال بمفردهم دون مراقبة.
- المشاركة في الفعاليات المجتمعية لكسر الصورة النمطية عن البيتبول.
الخلاصة
تُظهر الأدلة العلمية والخبرة الميدانية أن تشريعات حظر السلالات تُفرِط في التبسيط ولا تعالج السبب الرئيسي لحوادث العض. نحن بحاجة إلى قوانين تُركِّز على المسؤولية الفردية، وتُعزِّز التدريب الجيد، وتُوفِّر التوعية المجتمعية. عندما يتحقق ذلك، لن يستفيد البيتبول فحسب، بل سيصبح كل من يعيش في حيّك أكثر أمناً أيضاً.
الكلاب لا تُولد خطرة؛ بل تُصبح كذلك عندما يُهمَل دور الإنسان في توجيهها.
المراجع
- الجمعية الأمريكية لمنع قسوة الحيوان. “بيان موقف الجمعية الأمريكية لمنع قسوة الحيوان بشأن التشريعات الخاصة بالسلالة..” , 2014-04-01. www.aspca.org
- ج. ج. ساكس وزملاؤه. “سلالات الكلاب المتورطة في الهجمات البشرية المميتة في الولايات المتحدة بين عامي 1979 و1998..” , 2000-09-15. pubmed.ncbi.nlm.nih.gov
- الحكومة البريطانية. “قانون الكلاب الخطرة 1991..” , 1991-07-25. www.legislation.gov.uk
- سمير بدوي. “بعد هجمات البيتبول المتكررة: الأولوية للإنسان على الحيوان..” , 2016-06-15. www.rcinet.ca
- هنادي أبونعمة. “بلدية دبي تحدد 7 أنواع من الكلاب تُحظر تربيتها في المنازل..” , 2011-10-15. www.emaratalyoum.com