هل يستطيع الكلب حقاً شم رائحة الخوف؟

عبارة «الكلاب تشم الخوف» تُقال غالباً على سبيل المزاح أو التحذير، لكن العلم الحديث يُؤكّد أنّ وراءها حقيقة مثيرة. فحاسة الشم لدى الكلاب تُعَدُّ إحدى أكثر الحواس تطوّراً في المملكة الحيوانية، وهي تمنحها القدرة على كشف التغييرات الدقيقة في الروائح التي تصدر عن الإنسان عندما يتعرّض للتوتر أو الخوف. في هذا المقال نغوص في الأدلة العلمية، ونشرح كيف يستقبل الكلب هذه الإشارات الكيميائية، ولماذا قد يتغيّر سلوكه بناءً عليها، كما نقدّم نصائح عملية لكل من يشعر بالقلق أمام الكلاب، ولأصحاب الكلاب على حدّ سواء.

حاسة الشم الخارقة لدى الكلاب

قبل أن نفهم كيف يلتقط الكلب رائحة الخوف، يجب أن نتعرّف إلى البنية التشريحية والوظيفية لأنفه، فهي مختلفة جذرياً عن الأنف البشري.

  • يملك الكلب ما يقرب من ٣٠٠ مليون مستقبل شمي، مقارنةً بـ ٦ ملايين فقط لدى الإنسان.
  • يحجز الفص الشمي في دماغ الكلب مساحة أكبر بنسبة ٤٠٪ تقريباً من مثيله لدى الإنسان؛ ما يعني قدرة معالجة أعلى للروائح.
  • يحتوي تجويف الأنف على ممرّات ملتوية تُسمّى “المحارات الأنفية” Turbinates تُبطّى بغشاء مخاطي يلتقط جزيئات الرائحة بفعالية.
  • يمتلك الكلب عضواً إضافياً يدعى عضو جاكبسون أو العضو الميكعي-الحنكي (Vomeronasal Organ) مختصّاً بكشف الهرمونات والفرمونات.

كل هذه المميزات تجعل قدرة الكلب على الشم تفوق قدرة الإنسان بما يتراوح بين ١٠٬٠٠٠ و١٠٠٬٠٠٠ مرة.

الرائحة الكيميائية للخوف

عندما يشعر الإنسان بالخوف أو القلق، يفرز جسمه مزيجاً من الهرمونات (أدرينالين، كورتيزول) والفرمونات التي تتسرّب عبر العرق والنَّفَس. هذه الجزيئات هي «التوقيع الكيميائي» الذي يلتقطه الكلب.

في دراسة أُجرِيت عام ٢٠١٨ في جامعة نابولي، جُمعت عينات عَرَق من أشخاص شاهدوا مقطع فيديو مخيف وآخر مبهج. عندما عُرضت على ٤٠ كلباً، ارتفع معدّل ضربات القلب لدى الكلاب التي تعرّضت لرائحة “الخوف” وازدادت حاجتها للاختباء بالقرب من أصحابها، ما يدلّ على قدرتها على تمييز الحالة العاطفية عبر الرائحة.

الأدلة العلمية الحديثة

دراسة أحدث في عام ٢٠٢٢ استخدمت «اختبار الضغط النفسي تريير» (TSST) لجمع عينات عَرَق ونَفَس من متطوّعين قبل وبعد الخضوع للتوتر. أُتيحت العيّنات لعدد من الكلاب المدربة على التعرّف إلى الروائح، فتمكّنت من تحديد العينات «المتوترة» بدقة وصلت إلى ٩٣٫٧٥٪. هذا المستوى من الدقّة يكاد ينافس أجهزة كشف التوتر في المختبرات!

كيف يتصرف الكلب عند استشعار الخوف؟

ليس كل الكلاب تتجاوب بالطريقة نفسها، ولكن السلوكيات الأكثر شيوعاً تشمل:

  • التحديق المكثّف أو رفع الأذنين لتحديد مصدر الرائحة.
  • زيادة معدل التنفّس أو اللهاث.
  • التقرب من الشخص الخائف ومحاولة الشم المباشر.
  • في بعض الحالات النادرة: التوتر أو حتى التصرف الدفاعي إذا شعر الكلب بالتهديد.

كيف تتعامل إذا كنت تشعر بالتوتر أمام كلب؟

  1. التنفس العميق: خفّض معدل ضربات قلبك عبر شهيق وزفير بطيئين، فهذا يقلل إفراز الأدرينالين.
  2. تجنّب الحركات المفاجئة: الحركة السريعة قد تُفْسَر على أنها تهديد.
  3. لا تتواصل بالعين مباشرةً لفترة طويلة: النظر المستمر قد يُفهم على أنه تحدٍّ.
  4. اسمح للكلب بالشم إذا كان آمناً: مدّ يدك بهدوء وراحة اليد إلى الأسفل، ودع الكلب يقرر الاقتراب.
  5. اطلب مساعدة المالك: من حقك أن تطلب منه وضع الكلب على المقود أو إبعاده إذا شعرت بعدم الراحة.

مسؤولية المالك في منع السلوك العدواني

غالبية الكلاب اجتماعية بطبيعتها، ولكنها تعتمد على تشكيل تجاربها منذ سنّ مبكرة. المالك الواعي يمكنه منع معظم المشكلات عبر:

  • التنشئة الاجتماعية المبكرة: تعريف الجرو على أصوات وروائح وأشخاص مختلفين ببيئة آمنة.
  • التدريب الإيجابي: استخدام التعزيز الإيجابي (المكافآت اللفظية والطعوم) لترسيخ الأوامر الأساسية.
  • إشغال الكلب ذهنيّاً وجسديّاً: التمارين، ألعاب الذكاء، وجلسات الشم الحر.
  • الاستعانة بمدرّب محترف: في حال لوحظت علامات خوف أو عدوانية مفرطة.

الخلاصة

يتّفق العِلْم والخبرة العملية على أن الكلاب قادرة على شمّ رائحة الخوف، بفضل حاسة شم استثنائية تمكّنها من الكشف عن أدق التغيرات الكيميائية في عَرَق ونَفَس الإنسان. لا يعني ذلك بالضرورة أن الكلب سيصبح عدوانياً؛ فطريقة استجابتنا نحن، إضافةً إلى تدريب الكلب وتربيته، هي التي تحدّد سلوك الحيوان في النهاية. إذا كنت خائفاً، تذكر أن تتنفس بعمق، وتتجنب الحركات المفاجئة، وتطلب من المالك التدخل عند الحاجة. أما أصحاب الكلاب، فالتنشئة الاجتماعية والتدريب الإيجابي هما المفتاح لتربية كلاب متوازنة تستطيع قراءة مشاعر البشر دون أن يتحول ذلك إلى مشكلة سلوكية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version