هل تمتلك الكلاب حاسة سادسة تساعدها على قراءة مزاجنا؟
منذ القِدم والإنسان مفتونٌ بالقدرة الظاهرية للكلاب على استشعار ما لا نستطيع نحن إدراكه. فكم مرة لاحظت أن كلبك أصبح أكثر التصاقاً بك عندما كنت حزيناً، أو بدأ بالنباح قبل هبوب عاصفة، أو حتى أيقظ أحد أفراد العائلة بسبب هبوط حاد في سكر الدم؟ هذه المواقف المتكرّرة غذّت فكرة أن للكلاب حاسة سادسة. لكن هل هي بالفعل قوة خارقة أم نتاج حواسٍ بيولوجية متطورة؟
ما هي الحاسة السادسة؟ أسطورة أم حقيقة علمية؟
يعرِّف البعض الحاسة السادسة بأنها القدرة على إدراك أمور لا يمكن للحواس الخمس التقليدية التقاطها. يرى العلماء بالمقابل أن الكلاب لا تمتلك قوة غامضة، بل تستند على قدرات جسدية وعصبية فائقة التطور في الشم والسمع والاستقبال الحسي للاهتزازات والضغط الجوي، ما يجعلها تبدو وكأنها «تتنبأ» بما سيحدث.
قدرات الكلاب الحسية بالأرقام
- الشمّ: حوالى 300 مليون مستقبل شمي مقابل 6 ملايين لدى الإنسان، مع جزء دماغي مكرَّس للشم أكبر بحوالي 40 مرة.
- السمع: نطاق تردّد يراوح بين 40 إلى 60 ألف هيرتز، أي ضعف ما نسمعه تقريباً.
- الإحساس بالاهتزازات: وسائد مخلبية غنية بالنهايات العصبية قادرة على التقاط ذبذبات طفيفة في الأرض والهواء.

حاسة الشم: البطل الحقيقي وراء «التنبؤ»
يمكن للكلاب اكتشاف تغيُّرات طفيفة في التركيب الكيميائي للهواء، بما في ذلك المركبات العضوية المتطايرة التي يفرزها جسم الإنسان عند الشعور بالخوف أو التوتر أو الفرح. ترتبط هذه الروائح بمعدّلات هرمونية مثل الكورتيزول والأدرينالين، ما يفسّر قدرة الكلب على «قراءة» عاطفتك حتى قبل أن تُفصح عنها.
حاسة السمع: أصوات لا ندركها
تستطيع الكلاب سماع الرعد على بُعد أميال بمجرد تكوّن العاصفة، كما تلتقط أصوات تردّدها منخفض جدًّا يصدرها باطن الأرض قبل وقوع الزلازل. لهذا تراها تتصرّف بقلق أو تبحث عن مخبأ قبل أن يبدأ المطر أو تتعرض المنطقة لاهتزاز.

كيف يقرأ كلبك مشاعرك؟
يستخدم الكلب مزيجاً من الرائحة، ولغة الجسد، ونبرة الصوت ليتعرّف على حالتك النفسية. إليك بعض الدلائل:
- ميل الأذنين والعينين إلى متابعتك باستمرار أثناء انفعالك.
- تشغيل «رادار الأنف» عبر شهيق متقطع سريع لاستنشاق رائحتك.
- التقرب الجسدي الزائد أو وضع الرأس على ركبتك عندما تسيطر عليك مشاعر الحزن.
- الركض أو القفز بحماسة عند شعورك بالفرح أو الحماس.

التنبؤ بالأحوال الجوية والكوارث الطبيعية
لا يتوقف الأمر على العواطف، فالكلاب تستطيع اكتشاف التغيّر في الضغط الجوي ورائحة الأوزون التي تسبق العاصفة، إضافةً إلى التقاط الاهتزازات الأرضية الدقيقة قبل الزلازل. لذلك يعتبر البعض أن مراقبة سلوك الكلاب قد تكون وسيلة إنذار مبكر طبيعية.
كلاب التنبيه الطبي: إنقاذ الأرواح بأنوفهم
هناك كلاب مدرَّبة على اكتشاف التغيّرات الكيميائية في الجسم، فتقوم بتنبيه المريض أو مرافقيه في حالات:
- الصرع: بعض الكلاب تُنبّه قبل دقائق من حدوث النوبة بفضل رصد رائحة فريدة يفرزها الجسم.
- السكري: رصد ارتفاع أو انخفاض سكر الدم عبر رائحة النفس أو العرق.
- السرطان: تحديد أورام الثدي والرئة والجلد بدقة تصل إلى 97٪ في بعض الدراسات.

هل هذا دليل قاطع على وجود حاسة سادسة؟ رأي العلم
«ما نراه من الكلاب ليس سحراً بل استجابة بيولوجية فائقة للحواس المتطورة لديها» — د. إليسون براون، أستاذة سلوك الحيوان.
يرى معظم الباحثين أن أي تفسير خارق للقوى الحسية لدى الكلاب لا يتجاوز التسمية المجازية. فالتقدم العلمي يوضح أن حاسة الشم والسمع والاستقبال الحسي كافية لتفسير كل الظواهر التي نربطها بالحاسة السادسة.
كيف تستفيد من قدرات كلبك؟
- التدريب الإيجابي: استثمر فضوله الطبيعي عبر تعزيز السلوك المطلوب بالمكافآت.
- الألعاب التحفيزية: استخدم ألعاب البحث عن الطعام لتنمية حاسة الشم.
- المتابعة الصحية: انتبه إلى أي تغيّر مفاجئ في سلوكه، فقد يكون مؤشراً على تغيّر بيئي أو صحي لديك أو لديه.
- التواصل العاطفي: احرص على استخدام نبرة صوت هادئة ولغة جسد متسقة مع مشاعرك الحقيقية؛ فالكلب يميّز التناقض بسهولة.

الخلاصة
تهيّئ الحواس المتطورة للكلاب بيئة متكاملة تمكنها من قراءة عواطفنا، والتنبؤ بالطقس، بل وإنقاذ الأرواح. ومع أن الأمر يبدو كأنه «حاسة سادسة»، فإن العلم يفسّره بوصفه امتداداً طبيعيًّا لقوى الشم والسمع والاستقبال الحسي عند أفضل صديق للإنسان.