التسمم الوشيقي في الخيول: الدليل الشامل للوقاية والعلاج
التسمم الوشيقي (Botulism) هو أحد أخطر حالات التسمّم الغذائي العصبي التي يمكن أن تصيب الخيول، ويتسبب في شلل عضلي تدريجي قد يكون مميتًا إذا لم يُشخَّص ويُعالج في الوقت المناسب. في هذا الدليل، نجمع لك أحدث المعلومات العلمية والخبرات الميدانية حول كيفية التعرف على المرض، وإدارته، والوقاية منه للحفاظ على صحة خيلك.

ما هو التسمم الوشيقي؟
يحدث التسمم الوشيقي عندما يتعرّض الجسم لسموم تُفرِزها بكتيريا Clostridium botulinum. هذه البكتيريا لاهوائية، تعيش في التربة والمواد العضوية المتحللة، وتُفرِز أحد أكثر السموم شدةً في العالم. عند دخول السم إلى جسم الحصان، يمنع انتقال النبضات العصبية إلى العضلات، فيُسبِّب شللاً رخوًا يتفاقم بسرعة.
أنواع السموم الوشيقية لدى الخيول
- النوع B: الأكثر شيوعًا في الخيول، خاصةً في أمريكا الشمالية وأوروبا.
- النوع C: يرتبط غالبًا بتعفن جثث الطيور أو القوارض المختلطة بالأعلاف.
- النوع A: نادر، لكنه أكثر سمِّية. سُجّلت حالات قليلة في الخيول.
كيف يُصاب الحصان بالتسمم الوشيقي؟
تتعدّد طرق الإصابة، لكن جميعها تشترك في وصول السم إلى الجهاز الهضمي أو الدورة الدموية للحصان:
- تناول علف مُتعفّن: خصوصًا الأعلاف الملفوفة أو الحزم الدائرية التي قد تحبس الرطوبة.
- وجود جثث متحللة داخل العلف: مثل الطيور أو القوارض التي تُنتج السم عند تحللها.
- الجروح الملوّثة: في حالات نادرة، قد تنمو البكتيريا في جرح عميق ملوث بالتربة.
- متلازمة “المهر المرتجف” (Shaker Foal): حيث تنمو البكتيريا داخل أمعاء المهر وتُنتج السم داخليًا.

الأعراض والعلامات السريرية
غالبًا ما تبدأ الأعراض بشكل خفي، ثم تتطور سريعًا خلال ساعات أو أيام:
- صعوبة في المضغ والبلع مع ارتجاع العلف عبر الأنف.
- ارتخاء اللسان؛ لا يستطيع الحصان سحب لسانه بالكامل إلى الفم.
- تدلّي الجفون والذيل وانخفاض نغمة العضلات عموماً.
- عدم اتزان وشلل تدريجي يبدأ من الأطراف الخلفية.
- إمساك أو مغص خفيف نتيجة بطء حركة الأمعاء.
- تسارع التنفس أو صعوبته مع تقدُّم الشلل إلى عضلات الحجاب الحاجز.

ملحوظة مهمة: قد تبدو الأعراض مشابهة لأمراض عصبية أخرى مثل فيروس الهربس الخيلي (EHV-1) أو الكزاز. التشخيص الدقيق ضروري لإنقاذ حياة الحصان.
التشخيص
لا يوجد اختبار سريع واحد لتأكيد التسمم الوشيقي، لذلك يعتمد الأطباء البيطريون على مزيج من التاريخ المرضي، والفحص السريري، والاختبارات المعملية:
- اختبار “حبة العلف”: قياس الوقت الذي يستغرقه الحصان لابتلاع حبة علف جافة.
- اختبارات السموم في العلف أو مصل الدم: باستخدام تقنية الـPCR أو اختبار الحقن الفأري التقليدي.
- استبعاد الأمراض العصبية الأخرى: عبر تحاليل الدم والسوائل النخاعية.
العلاج وخطة الرعاية

المضاد السمّي (Antitoxin)
كلما أُعطي المضاد السمّي أبكر، زادت فرص النجاة. يتوافر نوعان:
- متعدد التكافؤ (Heptavalent): يغطي جميع الأنماط A–G ويُستخدم للحالات الطارئة.
- أحادي النوع B: فعال جدًا إذا عُرف أن العدوى من النوع B، لكنه أكثر تكلفة وأقل توافراً.
الرعاية الداعمة
- إبقاء الحصان في مكان هادئ ومريح مع فرش سميك لمنع تقرّحات الفراش.
- السوائل الوريدية والتغذية عبر أنبوب المعدة للحفاظ على الطاقة والترطيب.
- العلاج الطبيعي لتحفيز الدورة الدموية ومنع ضمور العضلات.
- التنفس الميكانيكي في الحالات الشديدة التي يصل فيها الشلل إلى عضلات التنفس.
- المضادات الحيوية لجروح ثانوية عند الحاجة، مع تجنّب الأمينوغليكوزيدات التي قد تزيد ارتخاء العضلات.
مدة التعافي والتوقعات
قد يستغرق الشفاء من أسابيع إلى أشهر. تُظهر الدراسات أن معدلات البقاء على قيد الحياة قد تصل إلى 90٪ في الحالات الخفيفة التي عولجت مبكرًا، بينما تنخفض النسبة بشكل ملحوظ في الخيول التي تصبح طريحة على الأرض أو تحتاج إلى دعم تنفسي.
سبل الوقاية

- التطعيم: يُعتبر لقاح النوع B الأكثر فاعلية. تُعطى الفرس الحامل ثلاث جرعات (في الشهر الثامن، التاسع، العاشر) لضمان نقل الأجسام المضادة إلى المهر.
- إدارة العلف: تجنّب الحزم الدائرية في المناطق الرطبة، وتأكد من جفاف العلف تمامًا قبل التخزين.
- التخلّص من الجثث: افحص الحزم جيدًا وتخلّص فورًا من أي جثة حيوان حول مصادر العلف.
- تنظيف الجروح: عالج الجروح العميقة مبكرًا وأبقها نظيفة وجافة.
- المراقبة اليومية: لاحظ أي تغيّر في سلوك الخيل أو طريقة الأكل، وتواصل مع الطبيب البيطري عند الشك.
أسئلة شائعة
هل يمكن انتقال التسمم الوشيقي من حصان لآخر؟
لا، فالمرض غير معدٍ مباشر، لكن مشاركة الأعلاف الملوّثة قد تُعرِّض خيولاً أخرى للخطر.
هل يقي التطعيم من جميع الأنواع؟
اللقاح المتوفر حاليًا يستهدف النوع B فقط، وهو الأكثر شيوعًا. لا توجد لقاحات تجارية فعّالة للأنواع الأخرى حتى الآن.
هل المضاد السمّي علاجي أم وقائي؟
علاجي في المقام الأول؛ يعمل على معادلة السم غير المرتبط في مجرى الدم، لكنه لا يُصلح التلف العصبي الواقع بالفعل، لذا تُعد السرعة في إعطائه أمرًا حاسمًا.
الخلاصة
التسمم الوشيقي حالة خطيرة، لكن المعرفة المسبقة والعلاج المبكر يمكن أن يُحدثا فرقًا جوهريًا في معدلات البقاء. تبنَّ أفضل ممارسات إدارة الأعلاف، وابقَ على جدول التطعيم، وارصد علامات المرض منذ بدايتها لتحمي خيلك من أحد أكثر السموم فتكًا في الطبيعة.