الانصمام الرئوي عند القطط: دليل شامل للتشخيص والعلاج والوقاية
يُعَدّ الانصمام الرئوي (Pulmonary Thromboembolism) أحد الحالات الطارئة التي تُهدِّد حياة القطط إذا لم تُكتشَف وتُعالَج بسرعة. يحدث الانصمام عندما تنتقل جلطة دموية أو مادة غريبة عبر مجرى الدم لتستقر في الأوعية الدموية للرئتين، فتمنع تدفق الدم الطبيعي، وتُضعف عملية تبادل الأكسجين، وقد تُسبب فشلًا تنفسيًا حادًا. في هذا الدليل الشامل، نستعرض كل ما تحتاج إلى معرفته لحماية قطك، بدايةً من الأعراض والعوامل المسببة وصولًا إلى أفضل طرق التشخيص والعلاج والرعاية المنزلية.

ما هو الانصمام الرئوي؟
الانصمام الرئوي هو انسداد مفاجئ في أحد الشرايين الرئوية نتيجة جلطة دموية، أو دهون، أو طفيليات متحجرة، أو حتى خلايا سرطانية. يؤثر هذا الانسداد في قدرة الرئتين على إيصال الأكسجين إلى الدم، وقد يؤدي إلى تلف أنسجة الرئة وفشل الأعضاء الحيوية الأخرى.
كيف يتكون الانصمام الرئوي عند القطط؟
تبدأ القصة عادةً بتكوّن جلطة في مكان آخر من الجسم – مثل الأطراف الخلفية، أو القلب، أو الأوردة البطنية – ثم تنتقل عبر الدورة الدموية حتى تصل إلى الرئة. هناك عوامل عديدة تُسهِّل تكوّن الجلطات، مثل أمراض القلب، والالتهابات الشديدة، والجراحة، وأورام السرطان.
الأعراض والعلامات التحذيرية
قد تظهر الأعراض فجأة أو تتطور تدريجيًا. تشمل أهم العلامات:
- صعوبة أو سرعة في التنفس (اللهاث، التنفس من الفم)
- زرقة اللسان أو اللثة نتيجة نقص الأكسجين
- سعال مفاجئ أو صوت صفير أثناء التنفس
- خمول شديد أو انهيار مفاجئ
- تسارع نبض القلب أو عدم انتظامه
- ألم عند اللمس أو بعد الحركة
الأسباب والعوامل المهيئة
تتضمن أكثر المسببات شيوعًا ما يلي:
- أمراض القلب: خاصةً اعتلال عضلة القلب الضخامي، الذي يزيد من ركود الدم داخل القلب وتشكّل الجلطات.
- الأورام السرطانية: قد تطلق خلايا سرطانية أو مواد تزيد تخثّر الدم.
- العدوى الشديدة أو الالتهابات: مثل التهاب الصفاق، أو الالتهاب الرئوي، أو التهابات الجهاز البولي.
- الجراحة أو الصدمات: التخدير والراحة الطويلة بعد العمليات قد يبطئان الدورة الدموية.
- الأمراض الطفيلية: الديدان القلبية (نادرة في القطط لكنها محتملة).
- اضطرابات التخثّر الوراثية: رغم ندرتها، إلا أنها موجودة لدى بعض السلالات.

متى ينبغي زيارة الطبيب البيطري؟
إذا لاحظت أيًّا من الأعراض السابقة، أو لاحظت شحوب الأغشية المخاطية، أو انخفاض الاستجابة للمحفزات، فعليك التوجّه مباشرةً إلى الطبيب البيطري للطوارئ. كل دقيقة مهمة لتقليل تلف الرئة وإنقاذ حياة قطك.
تشخيص الانصمام الرئوي
يبدأ التشخيص بأخذ التاريخ المرضي الكامل، تليه فحوصات سريرية ومخبرية متقدمة:
الفحوصات المخبرية
- صورة دم كاملة (CBC) للكشف عن الالتهابات وفقر الدم.
- لوحة كيميائية حيوية لتقييم وظائف الكبد والكلى.
- تحليل غازات الدم لقياس مستويات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون.
- اختبارات التخثّر (PT, aPTT) لتحديد ميل الدم للتجلط.
الفحوصات التصويرية
- الأشعة السينية للصدر: قد تُظهر مناطق فقيرة التروية.
- الموجات فوق الصوتية للقلب (Echocardiography): لتقييم وظيفة القلب واكتشاف الجلطات داخل الأذين.
- التصوير المقطعي المحوسب (CT) مع صبغة: المعيار الذهبي لتأكيد الانسداد.
العلاج
ترتكز خطة العلاج على محورين أساسيين: تثبيت الحالة الطارئة وإزالة/منع الجلطة.

الرعاية الطارئة
- إعطاء الأكسجين بواجهة قناع أو داخل حجرة أكسجين.
- وضع قسطرة وريدية لإعطاء السوائل والأدوية العاجلة.
- مراقبة العلامات الحيوية باستمرار (معدل التنفس، القلب، الأكسجة).
الأدوية الشائعة
- مضادات التخثّر: الهيبارين منخفض الوزن الجزيئي أو كلوبيدوغريل لمنع جلطات جديدة.
- موسّعات الأوعية أو أدوية القلب: مثل البيموبيندان لتحسين وظيفة القلب عند الحاجة.
- مسكنات الألم: المورفين أو بيوبرينورفين لتخفيف الإجهاد التنفسي.
- ثلاثي نترات الغليسيريل (عند اللزوم): لتحسين تدفق الدم إلى الرئتين.
في الحالات الشديدة وغير المستجيبة، قد يُنظَر في استخدام أدوية مذيبة للجلطات (Thrombolytics)، لكن هذه العلاجات عالية المخاطر ولا تُستخدَم إلا تحت إشراف بيطري متخصص.
التعافي وإدارة الحالة في المنزل
بعد استقرار الحالة وخروج قطك من المستشفى، تبدأ مرحلة الرعاية الطويلة:
المراقبة في الأيام الأولى
- قياس معدل التنفس أثناء الراحة (يُفضَّل أقل من 30 نفس/دقيقة).
- متابعة اللون الوردي للثة ولسان القط.
- إعطاء الأدوية الموصوفة بدقة دون تخطي الجرعات.

نمط الحياة والتغذية
- توفير مكان هادئ ودافئ بعيد عن مصادر التوتر.
- التغذية المتوازنة الغنية بالأحماض الدهنية أوميغا-3 (تقلّل الالتهاب).
- تقليل الوزن الزائد لتخفيف العبء على القلب والرئتين.
- زيارات متابعة منتظمة مع الطبيب البيطري لإجراء فحوص الدم والتصوير.
التوقعات على المدى الطويل
تعتمد نسبة النجاة على حجم الانسداد، والحالة الصحية للقلب، وسرعة التدخل العلاجي. في كثير من الحالات، تتحسّن القطط خلال أيام إلى أسابيع مع الرعاية المكثفة والمستمرة، لكن تبقى مهددة بتكرار الجلطات، لذا يجب الالتزام بخطة المتابعة.
الوقاية من الانصمام الرئوي
أفضل سلاح هو الوقاية، وذلك عبر:
- علاج أمراض القلب المزمنة باكراً وبفعالية.
- إدارة الأمراض الالتهابية والعدوى دون تأخير.
- استخدام مضادات التخثّر الوقائية في القطط عالية الخطورة تحت إشراف بيطري.
- الحفاظ على وزن صحي ونشاط معتدل.
أسئلة شائعة
هل يمكن للانصمام الرئوي أن يختفي من تلقاء نفسه؟
نادراً ما يحدث ذلك. معظم الجلطات تحتاج إلى العلاج لمنع انتشارها أو تكوّن جلطات جديدة.
هل يعود الانصمام الرئوي بعد الشفاء؟
نعم، قد يتكرر إذا لم تُعالج العوامل المسببة ويُتّبع البروتوكول الوقائي.
هل استخدام مضادات التخثّر آمن لقطي على المدى الطويل؟
غالباً آمن تحت المراقبة، لكن يتطلب فحوصات دم دورية لضبط الجرعات وتفادي النزيف.
ملاحظة ختامية: رصد أي تغيّر بسيط في تنفس قطك أو نشاطه قد يكون مفتاح إنقاذ حياته. لا تتردد في استشارة الطبيب البيطري عند ظهور أي علامة غير طبيعية.